الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

الضمير لبول ستروم: علمانية الضمير


ماهو الضمير؟

الضمير هو رقابة ذاتية أخلاقية. هو وعي بمنزلة معرفة مزعجة تمتص احساس الفرد باللذة لدى إقتراف الاذى او الخطأ بحق الناس حتى وان كانت تصب في صالحه. يقول بول ستروم في كتابه (الضمير) " ان الضمير كائن خارق للطبيعة يعلم عننا كل شيئ لكنه يدين بولاء خارجي: سواء للاله أو للصالح العام". أما عالم اللاهوت البروتستانتي الليبيرالي بول تيليك فيقول :" الذات-الأنا والضمير ينموان بالاعتماد على أحدهما الآخر.. وأن الذات تكتشف نفسها في تجربة الإنفصام بين ماهي عليه ومايجب أن تكون عليه"

فيما نحتاج الضمير اذن؟

يقول ستروم في نفس الكتاب :"لماذا نحتاج في حياتنا الى ذلك المفهوم المتقلب القاسي شديد الصرامة؟ والإجابة التي اقدمها أن أحوالنا بوجود الضمير أفضل كثيرا منها في غيابه".

يعرج الكاتب على الجريمة والعقاب ويذكر بان بطل هذه الرواية راسكولينكوف الى جانب ايفان,بطل الاخوة كارامازوف يمثلان حالة تجلي مثالية للضمير على صعيدين مختلفين.راسكولينكوف الذي ارتكب الجريمة فعلا ثم قرعه ضميره ليعترف مدفوعا بما اسماه دوستويفسكي "الخوف الفطري". و ايفان الذي لم يقترف الذنب ولكنه يجنح للاعتراف لانه فكر ,مجرد تفكير, بالاقدام على قتل والده. يتضح أن علاقة راسكولينكوف بضميره متأرجحه وغير متزنه بمقابل ايفان الخاضع تماما لصوت الضمير. يصيح ايفان يقول:" الضمير!الضمير! انا اختلقته بنفسي..فلم أعاني إذن؟بحكم العادة الانسانية على مدار سبعة الاف عام..دعنا اذن نتخلص من العادة ونصبح الهة".

قام فرويد من جهه اخرى بالبحث من أين يأتي هذا الصوت العقابي"الضمير"؟ . ويعتبر ان "الاخوة كارامازوف" من أروع الروايات ويقول:لايهم من ارتكب الجريمة حقا, فعلم النفس لايهتم الا بمن رغب شعوريا في وقوعها عندما تمت". ويؤكد بان الضمير تشكل على مدى سنوات الطفل الاولى من خلال كل اشكال التحريم والاستهجان التي ستستقر في وجدانه للابد.

أما نيتشه فانه يعتبر الضمير محرض على الاتهام الذاتي وهذا جزء من المشكلة وليس الحل بالنسبة للجنس البشري.ثم يندد بالضمير ويقول"تغلب عليه". ورد في مقالة"المسيح الدجال" لنيتشه عن تأنيب الضمير بأنه:" لغة اشارة خيالية للخصوصية الدينية." ويعتقد بانه من البدع التي اخترعها القساوسة.

إلى هنا ,عند هذا الحد, نجد أن الضمير ظهر كصنعة دينية إرتبطت بطقوس الاعتراف والغفران عند المسيحية ويتعزز بالخوف من العقاب الإلهي, إلا انه ثبت حضور الضمير ووجوده في أزمنه سابقة وإن اختلفت التسمية سواء عند اليونان او الرومان. فقد كان الانسان ولايزال عرضة للمسائلة أمام النفس و الناس وليس امام الالهة فقط.

فغالباً ما يتم التقليل من شأن الضمير وكفاءته في الأوساط الدينية حيث يُقال بأن الضمير بلا دين يقود لفوضى أخلاقية . وكأن الضمير لايتحرك بدون سلطة دينية تعيد توجيه هذه الابن الضال.

لقد خرج الضمير من دائرة الدين على يد جون لوك أول الأمر. فلقد رأى لوك ان الضمير لا ينبع من الايمان الفطري بل يحكمه سمو العقل البشري وبأنه لو كان شيئا فطريا لما ارتكبت الفضائع في العالم ولعاش الناس بسلام. فأنت ان كنت تظن بأن الضمير,كل الضمائر, بيد الله فانت تقول بهذا ان الله هو رب الضمائر المتعارضة ..والمتضاربة.

أما بالنسبة الى وضع وشكل الضمير في الفلسفة فنجد ايمانويل كانط يقول في كتابه(ميتافيزيقيا الأخلاق) "ان الضمير يدير "محكمة داخلية في الانسان"ولكن تكمن الاشكالية في أن الانسان لايمكن ان يعالج القضية بشكل موضوعي اذ انه عندها يحصل تضارب حاد في المصالح.

ولكن على صعيد مقابل, لا يستبعد الفيلسوف الاسكتلندي آدم سميث في كتابه (نظرية المشاعر الأخلاقية) الاله كمؤثر على منظومة الاخلاق بل انه يعتبر انه الشاهد الموضوعي في محكمة الضمير بمعنى انه اعطى الاله دور وان كان ثانويا يسميه "نصف الاله الذي يكمن داخل النفس".

المصدر:الضمير للكاتب بول ستروم